montadaJesus

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
montadaJesus

منتدي يسوع حياتي


    قدس اقداس الكتاب المقدس(الجزء الثاني)

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 168
    تاريخ التسجيل : 14/03/2009

    قدس اقداس الكتاب المقدس(الجزء الثاني) Empty قدس اقداس الكتاب المقدس(الجزء الثاني)

    مُساهمة  Admin الأحد مارس 15, 2009 7:34 am

    الجزء الثاني من سفر نشيد الأناشيد


    القراءة اليهودية للنشيد
    أشرنا أن نشيد الأناشيد دخل في قانون الكتاب المقدس اليهودي في يمنيا في نهاية القرن الأول، وقد اعتبره الرابي الأول عقيبة قدس أقداس الكتاب المقدس. وبموجب هذه القراءة الدينية الرمزية، تصبح القصائد حوارا متبادلا بين الرب وشعبه.
    لقد أطلّت صورة نشيد الأناشيد أوّل ما أطلّت مع هوشع نبيّ الحبّ، فقد أصبحت حياته مع امرأته جومر رمزاً إلى حياة الله مع شعبه، مع ما في هذه الحياة من اندفاع إلى الله، وخيانته، والعودة إليه بالتوبة (هو1-3). وتتابعَ هذا الموضوع مع إرميا(2-3) وأشعيا(اش54) وحزقيال(16) الذين رسموا ملامح إسرائيل بمثابة زوجة خائنة، طلقها زوجها، ومن ثم غفر لها.
    هكذا يعيد النشيد في هذا المفهوم ذكر التاريخ المضطرب عن هذه العلاقات وعن البحث المتبادل الذي قام به الله وشعبه. فعلى سبيل المثال، يوحي "نوم" الحبيبة بأزمنة خياناتها، فيما يعني "هرب" الحبيبة محن إسرائيل، وفي مقدمتها محنة الجلاء. وهنا تبرز فكرة تقول إنّ العريس يمثّل الهيكل وبالتالي الله المقيم في الهيكل، والعروس تمثّل أرض فلسطين. فالعريس يقيم في قلب العروس كما الهيكل يقع في قلب فلسطين.
    من هنا نرى أن القراءة اليهودية للنشيد تعتبره نشيداً يتغنّى بالحب المتبادَل بين الرجل والمرأة والذي هو رمز الحب المتبادل بين الله وإسرائيل.
    لا يذكر النشيد الله أبداً، لكنه يتأمل في تك 2/23-24 وملا 2/14 وفي نصوص الأنبياء الذين أشادو بحب الله لشعبه على صورة حب العروسين. إنه يصف الحب البشري كأنه غاية في حد ذاته في العمل الحسن الذي عمله الله (تك 2/23-24)، لذلك فهو يحتوي، عن علم واضح أو غير واضح، على عناصر الزواج الوثني المقدس، ولكنه ينزع عنها طابع الأسطورة نزعاً تاماً، ليبيّن في وصف الحب الجسدي الأصيل (مثل 2/16-17 و ملا 2/14) بلغة العهد، إن محبة الله لشعبه هي مثال كل حب.
    إنه من أقرب نصوص الكتاب المقدس إلى الإنسان لأنه يتكلم عن الشيء الأشد أُنساً والأكثر شمولية وهو الحب الذي يتبادله الحبيب والحبيبة. وإذا وُصف بأنه قدس أقداس الكتاب المقدس فلأنه يصف حقيقة هذا الاختبار البشري التي يجسّدها اللقاء بين الرجل والمرأة، ليس فقط ليذكّر بجمالها وعظمتها فحسب، بل ليفتح من خلال هذا التذكير آفاقاً أوسع تكون على مستوى تاريخ الخلاص، فيجمع بجرأة لا تنثني بين ما هو الأكثر إنسانية وما هو الأكثر ألوهية، بين اختبار الحب البشري في حد ذاته واختبار حب الله لشعبه.
    هكذا قرأ اليهود هذا الكتاب فرأوا فيه من خلال نشيد حبّ بين العروس وعريسها، بين الزوجة وزوجها، نشيد حبّ الله لشعبه وحبّ الشعب لربّه.
    القراءة المسيحية للنشيد
    تبنّى آباء الكنيسة هذه القراءة اليهودية الرمزية وطبّقوها على العهد الجديد، ورأوا أن نشيد الأناشيد ينشد حب الله لشعبه في المسيح، هذا الحب الإلهي للبشر الذي سيتجلّى في ملء الزمان عندما يرسل الآب ابنه يسوع المسيح الذي من خلاله وبالاتحاد به يختبر الإنسان بشكل مطلق أن "الله محبة"(1يو4/8،16).
    اختبار الحب هذا في النشيد الذي يجد صورته البشريّة في حبّ الرجل لامرأته، وصورته الإلهية في حب الله لشعبه، رآه أباء الكنيسة في نشيد حبّ المسيح للكنيسة وحب الكنيسة للمسيح مستندين في ذلك إلى نص الرسالة إلى أهل أفسس، حيث يُقابِل بولس الرسول حبّ المسيح للكنيسة بحبّ العريس لعروسه، ويُعلّم كيف ينبغي على المسيحيين المتزوجين أن يعيشوا (أف 5/25).
    إن حب المسيح لكنيسته هو بمثابة وتد الحب الزوجي ونوره، وبكلمة أخرى، يتم تحوّل في حقيقة الحب البشري، بفضل حب الله المعلن في يسوع، والمعاش في الكنيسة. وهكذا لا يبدو في هذا الحب معنيان متضادان وكأنهما حُبّان: الحب البشري والحب الإلهي!
    لقد كان يسوع "إلهاً حقا وإنسانا حقا"، لذلك لا تفصل الكنيسة ولا تُقيم، بأولى حجة، تَضادّاً بين الواقع البشري وسر الخلاص. ففي قلب كل أوجه الحياة البشرية - وبضمنها الحب والجنس- يتحقق الخلاص وتأليه أبناء الله. وإذا كانت حياة الرجال والنساء- وبضمنها الحب والجنس- قد تشوّهت بفضل الخطيئة، إلاّ أنها مدعوّة، بالمسيح، إلى الاهتداء وتجديد العلاقة معه والنمو في نعمته عبر الأسرار.
    لكن القراءة المسيحية للنشيد تُشدِّد أيضاً على أنه نشيد الحبّ بين المسيح والنفس التقيّة. فالنفس التقية هي العروس، والرب يسوع هو العريس. ومن غير المستغرب هنا أن يكون سفر النشيد هو الكتاب الذي قرأه أكبر عدد من الرجال والنساء غير المتزوجين في الأديرة والبيوت الرهبانية: لقد تمّ تطبيق القراءة الرمزية على علاقة المسيح مع كل راهب أو راهبة. فالنشيد إنما يُشيد بالحياة الروحية، بارتفاعاتها وهبوطاتها، التي يعيشها أولئك الذين كان لهم المسيحُ الحبَّ الأول، لا بل الحب الوحيد، بانتظار رؤية وجهه والاتحاد به كُلّياً في الملكوت.
    هكذا، فالقراءة المسيحية للنشيد لا تتوقف فقط على مستوى التكامل الجنسي ومستوى حياة الزوج مع زوجته واهتماماتهم الجسدية. إن القراءة المسيحية ترفعنا إلى مستوى الروح، إلى مستوى حبّ المسيح للكنيسة، إلى مستوى حب المسيح للنفوس المؤمنة، فنستطيع أن نقرأ هذا الكتاب ونتغذّى منه من أجل حياتنا الروحيّة والكنسيّة، لذلك وحدها النفوس التي يملؤها الروح تستطيع الولوج إليه والاستقاء من غناه.
    إن نشيد الأناشيد هو كتيّب مهمّ جداً لأنه يربط العهد القديم بالعهد الجديد، ويربط الإله الخالق بالإله المحبّ، ويربط شعب التوراة بكنيسة المسيح، ويجعل كل النفوس المؤمنة على مستوى الروح الذي يُدخِلنا في تيّار الحبّ، حبّ الآب والابن، حبّ الله والعالم، حبّ المسيح ونفوس المؤمنين. لهذا، فالقراءة المسيحية لهذا الكتاب تحاول أن تَلِج إلى قلب الله الذي هو حبّ وعطف وحنان، والذي يريد أن يأتي إلينا ويجعل منّا مسكناً له.

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 3:16 pm